الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
هَذِهِ وَرَقَاتُ قَلِيلَةٌ تَشْتَمِلُ
عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ
جُزْأَيْنِ مُفْرَدَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : الأُصُولُ ، وَالثَّانِي : الْفِقْهُ :
فَالأَصْلُ : مَا بُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَالْفَرْعُ : مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ .
وَالْفِقْهُ : مَعْرْفَةُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي طَرِيقُهَا
الاجْتِهَادُ .
[ الأحكام ]
وَالأَحْكَامُ سَبْعَةٌ :
الْوَاجِبُ ، وَالْمَنْدُوبُ ،
وَالْمُبَاحُ ، وَالْمَحْظُورُ ، وَالْمَكْرُوهُ ، وَالصَّحِيحُ ، وَالْبَاطِلُ.
فَالْوَاجِبُ : مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ .
وَالْمَنْدُوبُ : مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ .
وَالْمُبَاحُ : مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ
.
وَالْمَحْظُورُ : مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ .
وَالْمَكْرُوهُ : مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ .
وَالصَّحِيحُ : مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَيُعْتَدُ بِهِ .
وَالْبَاطِلُ : مَا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعْتَدُّ بِهِ .
[ أقسام المُدْرَكَات ]
وَالْفِقْهُ أَخَصُّ مِنْ الْعِلْمِ .
وَالْعِلْمُ : مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ في الواقع .
وَالْجَهْلُ : تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ في الواقع .
وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ : مَا لَمْ يَقَعْ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلالٍ ، كَالعِلْمِ
الْوَاقِعِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَهِيَ : السَّمْعُ وَالْبَصَرُ
وَالشَّمُ وَاللَّمْسُ وَالذَّوْقُ ، أَوِ بالتَّوَاتُرِ .
وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُكْْتّسَبُ : فَهُوَ مَا يَقَعُ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلالٍ .
وَالنَّظَرُ : هُوَ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ .
وَالاسْتِدْلالُ : طَلَبُ الدَّلِيلِ .
وَالدَّلِيلُ : هُوَ الْمُرْشِدُ إِلَى الْمَطْلُوبِ .
وَالظَّنُ : تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَرِ .
وَالشَّكُ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ لا
مَزِيَّةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ .
[ تعريفُ أصولِ الفقه عَلَمًا ]
وَعِلْمُ أَصُولِ الفِقْهِ : طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ ، وَكَيْفِيَّةُ
الاسْتِدْلالِ بِهَا .
[ أبوابُ أصولِ الفقه ]
وَأَبْوَابُ أُصُولِ الْفِقْهِ : أَقْسَامُ الْكَلامِ ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَالْعَامُّ
وَالْخَاصُّ ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ , وَالظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ ،
وَالأَفْعَالُ ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ ، وَالإِجْمَاعُ وَالأَخْبَارُ ،
وَالْقِيَاسُ ، وَالْحَظْرُ وَالإِبَاحَةُ ، وَتَرْتِيبُ الأَدِلَّةِ ، وَصِفَةُ
الْمُفْتِى وَالْمُسْتَفْتِى ، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِينَ .
[ أقسامُ الكلام ]
فَأَمَّا أَقْسَامُ الْكَلامِ : فَأَقَلُّ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْكَلامُ اسْمَانِ ، أَوْ
اسْمٌ وَفِعْلٌ ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ ، أَوْ اسْمٌ وَحَرْفٌ .
وَالْكَلامُ يَنْقَسِمُ إِلَى أَمْرٍ
وَنَهْيٍ ، وَخَبَرٍ وَاسْتِخْبَارٍ .
وَيِنْقَسِمُ أَيْضَا إِلَى تمََنٍ
وَعَرْضٍ وَقَسَمٍ .
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى
حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ .
فَالْحَقِيقَةُ : مَا بَقِيَ فِي الاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوضُوعِهِ ، وَقِيلَ :
مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَاطِبَةِ .
وَالْمَجَازُ : مَا تُجُوِّزَ عَنْ مَوْضُوعِهِ ، وَالْحَقِيقَةُ : إِمَّا
لُغَوِيَّةٌ ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ ، وَإِمَّا عُرْفِيَّةٌ .
وَالْمَجَازُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ
بِزِيَادَةٍ ، أَوْ نُقْصَانٍ ، أَوْ نَقْلٍ ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ :
فَالْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلُ
قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ
أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ ﴾[ سورة الشورى : 11
] .
وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ
قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَاسْأَلِ القَرْيَةَ
الَتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا
لَصَادِقُونَ ﴾[ يوسف : 82 ].
وَالْمَجَازُ بِالنَّقْلِ كَالْغَائِطِ
فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الإِنْسَانِ ، وَالْمَجَازُ بِالاسْتِعَارَةِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى :﴿ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا
فِيهَا جِداَراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً ﴾[ الكهف : 77 ] .
[ الأمر والنهي ]
وَالأَمْرُ : اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ
عَلَى سَبِيلِ الوُجُوبِ .
وَصِيغَتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ ( افْعَلْ ) .
وَهِيَ ـ عِنْدَ الإِطْلاقِ
وَالتَّجَرُّدِ عَنْ القَرِينَةِ ـ تُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلاَّ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّدْبُ أَوْ الإِبَاحَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَلا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عَلَى
الصَّحِيحِ إلا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَصْدِ التَّكْرَارِ .
وَلا تَقْتَضِي الْفَوْرَ .
وَالأَمْرُ بِإِيجَادِ الْفِعْلِ
أَمْرٌ بِهِ ، وَبِمَا لا يَتِمُّ الْفِعْلُ إِلاَّ بِهِ ، كَالأَمْرِ بِالصَّلاةِ
فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهَا ، وَإِذَا فُعِلَ
خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ .
يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللهِ تَعَالَى
الْمُؤْمُنِونَ ، وَالسَّاهِي وَالصَّبِيُ وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي
الْخِطَابِ .
وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ
الشَّرِيعَةِ ، وَبِمَا لا تَصِحُّ إِلاَّ بِهِ وَهُوَ الإِسْلامُ ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى :﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ﴾[
المدثر : 42- 43 ] .
وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ
ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ .
وَالنَّهْيُ : اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ
عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ ، وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ
وَالْمُرَادُ بِهِ الإِبَاحَةُ ، أَوِ التَّهْدِيدُ ، أَوِ التَّسْوِيَةُ ، أَوِ
التَّكْوِينُ .
[ العام والخاص ]
وَأَمَّا العَامُّ : فَهُوَ مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا ، مِنْ قَوْلِهِ :
عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ ، وَعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ
بِالْعَطَاءِ .
وَأَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ : الاسْمُ الْوَاحِدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَالَّلامِ ،
وَاسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفُ بِالَّلامِ ، وَالأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ كَـ
( مَنْ ) فِيمَنْ يَعْقِلُ ، وَ ( مَا ) فِيمَا لا يَعْقِلُ ،
وَ ( أَيٌ ) فِي الجَمِيعِ ، وَ (أَيْنَ ) فِي الْمَكَانِ ، وَ
( مَتَى ) فِي الزَمَّانِ ، وَ( مَا ) فِي الاسْتِفْهَامِ
وَالجَزَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَ ( لا ) فِي النَّكِرَاتِ كَقَوْلِكَ :
( لا رَجُلَ فِي الدَّارِ ) .
وَالْعُمُومُ مِنْ صِفَاتِ النُّطْقِ ،
وَلا يَجُوزُ دَعْوَى العُمُومِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَمَا يَجْرِي
مَجْرَاهُ .
وَالخَاصُّ يُقَابِلُ الْعَامَّ ،
وَالتَّخْصِيصُ : تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ .
وَهُوَ
يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ :
فَالْمُتَّصِلُ : الاسْتِثْنَاءُ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ ، وَالتَّقْيِيدُ
بِالصِّفَةِ :
وَالاسْتِثْنَاءُ : إِخْرَاجُ مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ فِي الْكَلامِ ، وَإِنَّمَا
يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ ، وَمِنْ
شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالْكَلَامِ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ
الاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَيَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ
الْجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِهِ .
وَالشَّرْطُ : يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْمَشْرُوطِ ، وَيَجُوزُ
أَنْ يَتَقَدَّمَ عَنِ الْمَشْرُوطِ ،
وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ : يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ ، كَالرَّقَبَةِ قُيِّدَتْ
بِالإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَأُطْلِقَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ
فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ
بِالْكِتَابِ ، وَتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ ، وِتَخْصِيصُ السُّنَّةِ
بِالْكِتَابِ ، وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ ، وَتَخْصِيصُ النُّطْقِ
بِالْقِيَاسِ ، وَنَعْنِي بِالنُّطْقِ قَوْلَ اللهِ سُبْْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَقَوْلَ الرَّسُولِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
[ المجمل والمبين ]
وَالْمُجْمَلُ : مَا افْتَقَرَ إِلَى الْبَيَانِ .
وَالْبَيَانُ : إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ
التَّجَلِّي .
وَالنَّصُّ : مَا لا يَحْتَمِلُ إَلاَّ مَعْنًى وَاحِدًا ، وَقِيلَ : مَا
تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَنَصَّةِ الْعَرُوسِ وَهُوَ
الْكُرْسِيُّ .
[ الظاهر والمؤول ]
وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ أَمْرَينِ
أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَرِ ، وَيُؤَوَّلُ الظَّاهِرُ بِالدَّلِيلِ ،
وَيُسَمَّى الظَّاهِرُ بِالدَّلِيلِ.
[ الأفعال ]
فِعْلُ
صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ لا يَخْلُو :
إَِّما أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ
القُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ :
- فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى
الاخْتِصَاصِ بِهِ يُحْمَلُ عَلَى الاخْتِصَاصِ .
- وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ لا يَخْتَصُّ
بِهِ ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ
الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ [ الأحزاب : 21 ]
فَيُحْمَلُ عَلَى الوُجُوبِ عِنْدَ
بَعْضِ أَصْحَابِنَا .
وَمِنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ
: يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُتَوَقَّفُ
عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ
القُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا .
وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ
عَلَى القَوْلِ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعِةِ ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى الفِعْلِ
كَفِعْلِهِ .
وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ فِي غَيْرِ
مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي
مَجْلِسِهِ .
[ الناسخ والمنسوخ ]
وَأَمَّا النَّسْخُ فَمَعْنَاهُ
الإِزَالَةُ ، يُقَالُ : نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ ، أَيْ أَزَالَتْهُ ،
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ النَّقْلُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : نَسَخْتُ مَا فِي هَذَا
الْكِتَابِ أَيْ نَقَلْتُهُ .
وَحَدُّهُ : هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الحُكْمِ الثَّابِتِ
بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ
تَرَاخِيهِ عَنْهِ .
وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ
الْحُكْمِ ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ ، وَالنَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ ،
وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ ، وَإِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ ، وَإِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ .
وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ
بِالْكِتَابِ ، وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ ، وَيَجُوزُ
نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بَالْمُتَوَاتِرِ ، وَنَسْخُ الآحَادِ بِالآحَادِ
وَبَالْمُتَوَاتِرِ ، وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ ، ولا
الْمُتَوَاتِرُ بِالآحَادِ .
[ تنبيه في التعارض والترجيح ]
إَذَا تَعَارَضَ نُطْقَانِ فَلا
يَخْلُو إَمَّا أَنْ يَكُونَا عَامَّينِ أَوْ خَاصَّيْنِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا
عَامًّا وَالآخَرُ خَاصًّا ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ
وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ :
- فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ فَإِنْ
أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ ، وَإِنْ لَمْ يَمْكِنِ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا يُتَوَقَّفُ فِيهِمَا إِنِ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ ، فَإِنْ عُلِمَ
التَّارِيخُ فَيُنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّرِ .
وَكَذَا إِذَا كَانَا خَاصَّيْنِ .
- وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمُا عَامًّا
وَالآخَرُ خَاصًّا ، فَيُخَصَّصُ الْعَامُّ بِالخَاصِّ .
- وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ ، فَيُخَصُّ عُمُومُ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ الآخَرِ .
[ الإجماع ]
وَأَمَّا الإِجْمَاعُ : فَهُوَ اتِّفَاقُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمِ
الْحَادِثَةِ .
وَنَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءَ
، وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ الْحَادِثَةَ الشَّرْعِيَّةَ .
وَإِجْمَاعُ هَذِهِ الأُمَّةِ حُجَّةٌ
دُونَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تَجْتَمِعْ أُمَّتِي عَلَى ضَلالَةٍ ) , [ أخرجه الترمذي ] . وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِعِصْمَةِ
هَذِهِ الأُمَّةِ .
وَالإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى الْعَصْرِ
الثَّانِي ، وَفِي أَيِّ عَصْرٍ كَانَ .
وَلا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ
عَلَى الصَّحِيحِ ، فَإِنْ قُلْنَا : انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ يُعْتَبَرُ
قَوْلُ مَنْ وُلِدَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ
، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ .
وَالإِجْمَاعُ يَصِحُّ بِقَوْلِهِمْ
وَبِفِعْلِهِمْ ، وَبِقَوْلِ الْبِعْضِ وِبِفِعْلِ الْبَعْضِ ، وَانْتِشَارُ
ذَلِكَ وَسُكُوتُ الْبَاقِينَ عَنْهُ .
وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنَ الصّحَابَةِ
لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ ، وَفِي الْقَوْلِ
الْقَدِيمِ حُجَّةٌ .
[ الأخبار ]
وَأَمّا الأَخْبَارُ : فَالْخَبَرُ : مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ .
وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى
قِسْمَيْنِ : آحَادٍ وَمُتَوَاتِرٍ :
فَالْمُتَوَاتِرُ : مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِىَ جَمَاعَةٌ لا
يَقَعُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ مِثْلِهِمْ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى
الْمُخْبَرِ عَنْهُ . وَيَكُونُ فِي الأَصْلِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ لا
عَنْ اجْتِهَادٍ .
وَالآحَادُ : هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ ، وَلا يُوجِبُ الْعِلْمَ .
وَيَنْقَسِمُ إِلَى : مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ :
فَالْمُسْنَدُ : مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ .
وَالْمُرْسَلُ : مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ . فَإِنْ كَانَ مِنْ
مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً إَلاَّ مَرَاسِيلَ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ؛ فَإِنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ عَنِ
النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وَالْعَنْعَنَةُ تَدْخُلُ عَلَى
الأَسَانِيدِ .
وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ يَجُوزُ
لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي ، وَإِذَا قَرَأَ هُوَ
عَلَى الشَّيْخِ فَيَقُولُ : أَخْبَرَنِي ، وَلا يَقُولُ : حَدَّثَنِي ، وَإِنْ
أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَقُولُ أَجَازَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي
إِجَازَةً .
[ القياس ]
وَأَمّا الْقِيَاسُ : فَهُوَ رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى الأَصْلِ فِي الْحُكْمِ
بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا .
وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ
أَقْسَامٍ: إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ ، وَقِيَاسِ دَلالَةٍ ، وَقِيَاسِ شَبَهٍ:
- فَقِيَاسُ
الْعِلَّةِ : مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ
مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ .
- وَقِيَاسُ
الدَّلالَةِ : هُوَ الاسْتِدْلالُ بِأَحَدِ
النَّظِيرَيْنِ عَلَى الآخَرِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى
الْحُكْمِ وَلا تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ .
- وَقِيَاسُ الشَّبَهِ : هُوَ
الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَينِ ، وَلا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ
إِمْكَانِ مَا قَبْلَهُ .
وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ
مُنَاسِبًا لِلأَصْلِ .
وَمِنْ شَرْطِ الأَصْلِ أَنْ يَكُونَ
ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَينِ .
وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ أَنْ
تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولاتِهَا فَلا تَنْتَقِضُ لَفْظًا وَلا مَعْنًى .
وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ
مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْي وَالإِثْبَاتِ .
وَالْعِلَّةُ هِيَ الْجَالِبَةُ
لِلْحُكْمِ ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ .
[ الحظر الإباحة ]
وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالإِبَاحَةُ : فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الأَشْيَاءَ عَلَى
الْحَظْرِ إِلاَّ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرْيعَةُ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي
الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ يُتَمَسَّكُ بِالأَصْلِ وَهُوَ
الْحَظْرُ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّهِ : وَهُوَ أَنْ الأَصْلَ فِي
الأَشْيِاءِ أَنَّهَا عَلَى الإِبَاحَةِ إِلاَّ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّوَقُّفِ .
وَمَعْنَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ : أَنْ يَسْتَصْحِبَ الأَصْلَ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ
الشَّرْعِيِّ .
[ ترتيب الأدلة ]
وَأَمَّا الأَدِلَّةُ : فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ ،
وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلظَّنِ ، وَالنُّطْقُ عَلَى
الْقِيَاسِ ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الخَفِيِّ ، فَإِنْ وُجِدَ فِي
النُّطْقِ مَا يُغَيِّرُ الأَصْلَ وَإِلاَّ فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ .
[ صفة المفتي والمستفتي ]
وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي : أَنْ يَكُونَ عَالْمًا بِالْفِقْهِ أَصْلاً وَفَرْعًا ،
خِلافًا وَمَذْهَبًا ، وَأَنْ يَكُونَ كَامِلَ الآلَةِ فِي الاجْتِهَادِ ،
عَارِفًا بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْه فِي اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنَ النَّحْوِ ،
وَاللُّغَةِ ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ ، وَتَفْسِيرِ الآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي
الأَحْكَامِ ، وَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا .
وَمِنْ شُرُوطِ الْمُسْتَفْتِي : أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ ، فَيُقَلِّدُ
الْمُفْتِيَ فِي الْفُتْيَا ، وَلَيْسَ لَلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ ، وَقِيلَ
يُقَلِّدُ .
وَالتَّقْلِيدُ : قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلا حُجَّةٍ . فَعَلَى هَذَا
قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُسَمَّى تَقْلِيدًا ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِل وَأَنْتَ لا تَدْرِي
مِنْ أَيْنَ قَالَهُ ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ النَبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَبُولُ قَوْلِهِ
تَقْلِيدًا .
[ أحكام المجتهدين ]
وَأَمَّا الاجْتِهَادُ : فَهُوَ بَذْلُ الوُسْعِ فِي بُلُوغِ الغَرَضِ .
فَالْمُجْتَهِدُ إِنْ كَانَ كَامِلَ الآلَةِ فِي الاجْتِهَادِ فَإِنِ اجْتَهَدَ
فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِنْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ
أَجْرٌ وَاحَدٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كُلُّ
مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ .
وَلا يَجُوزُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي
الأُصُولِ الْكَلامِيَّةِ مُصِيبٌ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَصْوِيبِ
أَهْلِ الضَّلالَةِ مِنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْكُفَّارِ وَالْمُلْحِدِينَ
.
وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ لَيْسَ كُلُّ
مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبًا قُولُهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( مَنِ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمَنْ اجْتَهَدَ
وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحَدٌ ) [
متفق عليه ] . وَجْهُ الدَّلِيلِ : أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
خَطَّأَ الْمُجْتَهِدَ تَارَةً وَصَوَّبَهُ أُخْرَى . وَاللهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0 التعليقات:
إرسال تعليق