سجل إميلك وتوصل بمواضيعنا :

تعديل

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الـمـتـون الـعـلـمـيـة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الـمـتـون الـعـلـمـيـة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 2 فبراير 2013

الأصول الثلاثة و أدلتها




بسم الله الرحمن الرحيم


اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل .
(الأولى ) العلم وهو معرفة الله ، وعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة .
( الثانية ) العمل به .
( الثالثة ) الدعوة إليه .
( الرابعة ) الصبر على الأذى فيه ، والدليل قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( والعصر إن الإنسان لفي خسر  إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصواْ بالحق وتواصواْ بالصبر ) .

قال الشافعي رحمه الله تعالى  : لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم .
وقال البخاري رحمه الله تعالى ( جزء 1 صفحة45 ) ( باب ) (( العلم قبل القول والعمل ، والدليل قوله تعالى : ( فاعلم أنه لآ إله  الله واستغفر لذنبك …..) .  فبدأ بالعلم قبل القول والعلم )).

 (اعلم ) رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث والعمل بهن .
( الأولى ) أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً  فن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، والدليل قوله تعالى : ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً )  سورة المزمل آيه 15 ، 16.

( الثانية) أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، والدليل قوله تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ) سورة الجن آية 18 .

( الثالثة ) أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له  موالاة  من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل قوله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم  أو أبناءهم أو إخوانهم  أو عشيرتهم  أولئك كتب في قلوبكم الأيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم
جنت تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )سورة المجادلة آية 22.

(اعلم ) أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ! وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى : (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56 . ومعنى يعبدون : يوحدوني .
وأعظم ما أمر الله به التوحيد ، وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه والدليل قوله تعالى : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا )

(فإذا قيل لك ): ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟
فقل : معرفة العبد ربه . ودينه ونبيه محمدا r .

(فإذا قيل لك ) : من ربك ؟
فقل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته وهو معبودي ليس لي معبود سواه , والدليل قوله تعالى : (الحمد لله رب العالمين ) وكل ماسوى الله عالم
وأنا واحد من ذلك العالم .

( فإذا قيل لك ) : بم عرفت ربك ؟
فقل : بآياته ومخلوقاته ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما ، والدليل قوله تعالى :
( ومن ءايته  اليل والنهار والشمس واقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) .سورة فصلت آية 37 .
وقوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات وا لأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) . سورة الأعراف آية 54.
والرب هو المعبود ، والدليل قوله تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا  وأنتم تعلمون ) سورة البقرة  آية 21 ، 22 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة .

( وأنواع العبادة ) التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان ، والإحسان ، ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة ، والرهبة ، والخشوع ، والخشية ، والإنابة ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والاستغاثة ، والذبح ، والنذر ، وغير ذلك من العبادة التي أمر الله بها (كلها لله ) والدليل قوله تعالى : (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) سورة الجن آية 18 .
فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى : (ومن يدعو مع الله إلها ء اخر لابرهن له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)
سورة المؤمنون آية 117. وفي الحديث "الدعاء مخ العبادة " والدليل (وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) سورة غافر آية 60 .
ودليل الخوف قوله تعالى : (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) سورة آل عمران آية 175 .
ودليل الرجاء قوله تعالى : (… فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) سورة الكهف آية 110 .
ودليل التوكل قوله تعالى :(…وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) سورة المائدة آية 23 (…ومن يتوكل على الله فهو حسبه …).
سورة الطلاق آية 3 .ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى : (..إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا
خاشعين ) .
ودليل الخشية قولة تعالى :(…فلا تخشوهم واخشون …) الآية سورة المائدة آية3 .
ودليل الإنابة قوله تعالى : (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له …) الآية سورة الزمر آية 54 .
ودليل الاستعانة قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين ) الفاتحة آية 5. وفي الحديث " إذا استعنت فاستعن بالله " .
ودليل الاستعاذة قوله تعالى : (قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) .  ودليل الاستغاثة قوله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم )
الآية سورة الأنفال آية 9 .  ودليل اذبح قوله تعالى :(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا
أول المسلمين ) سورة الأنعام آية 162، 163 .
ومن السنة " لعن الله من ذبح لغير الله "  ودليل النذر قوله تعالى : (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) سورة الدهر آية 7 .


الأصل الثاني
معرفة دين الإسلام بالأدلة . وهو الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك . وهو ثلاث مراتب :
(الإسلام ) و (الإيمان ) و ( الإحسان )،وكل مرتبة لها أركان .
فأركان الإسلام (خمسة ) شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله و (إقام الصلاة ) و(إيتاء الزكاة ) و( صوم رمضان ) و
(حج بيت الله الحرام ) .
فدليل الشهادة قوله تعالى : (شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم ) سورة
آل عمران  آية 18 .ومعناها لامعبود بحق إلا الله وحده . و(لاإله ) نافيا جميع ما يعبد من دون الله ، (إلا الله )مثبتا العبادة لله وحده لاشريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه . وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى :(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )  الزخرف آية 26 _27-28 ، وقوله تعالى : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا شهدوا بأنا مسلمون ) آل عمران آية 64 .
ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) التوبة آية 128.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله :طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )
البينة آية 5 .
ودليل الصيام قوله تعالى (يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة آية 183 .
ودليل الحج قوله تعالى : (… ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) آل عمران آية 97.

المرتبة الثانية الإيمان :
وهو بضع وسبعون شعبة . فأعلاها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان .
وأركانه ستة : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .
والدليل على  هذه الأركان الستة قوله تعالى : (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتب
والنبين  …) الآية ، البقرة آية 177.
ودليل القدر قوله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر )  القمر آية  49  .

المرتبة الثالثة : الإحسان ركن واحد .
وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والدليل قوله تعالى : (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) النحل  آية 128 ، وقوله
تعالى (وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم ) الشعراء آية 217- 220  ،وقوله تعالى: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه  من قرء ان ولا تعلمون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه …) يونس آية 61.
(والدليل من السنة ) حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ((قال بينما نحن جلوس عند النبي  r إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فجلس إلى النبي r فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال :يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال:أن تشهد أن لا إله إلا الله. وأن محمد اً rرسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة  وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال :
صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال : أخبرني عن الإيمان  قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره قال: أخبرني عن الإحسان ؟ قال:أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال: أخبرني عن الساعة ؟ قال :ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال : أخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان قال : فمضى فلبثنا ملياً فقال :يا عمر أتدرون من السائل؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ،قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم  )) .


الأصل الثالث معرفة نبيكم محمد r
وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وهاشم من قريش ، وقريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام . وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً . نبئ بإقرأ . وأرسل بالمدثر . وبلده مكة بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، والدليل قوله تعالى : ( يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر ) المدثر آية 1-7 ، ومعنى قم فأنذر : ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، وربك فكبر عظمه بالتوحيد ، وثيابك فطهر: أي طهر أعمالك  من الشرك والرجز: الأصنام  ،وهجرها : تركها  وأهلها والبراءة منها وأهلها . أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس ، وصلى في مكة ثلاث سنين وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة . والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام . والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الإسلام ، وهى باقيه إلى أن تقوم الساعة .والدليل قوله تعالى : (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها  فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواًّ غفوراً ) النساء آية 97-99 .وقوله تعالى :(ياعبادى الذين ءامنوا إن أرضى واسعة فإيي فاعبدون ) . العنكبوت آية 56 .
قال البغوي رحمه الله :سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان .
والدليل على الهجرة من السنة قوله r:)لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ( فلما استقر في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة . والصوم .والحج . والأذان . والجهادوالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، أخذ على هذا عشر سنين . وتوفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باق وهذا دينه لاخير  إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه ، والخيرالذي دلها عليه التوحيد وجميع مايحبه الله ويرضاه ،والشر الذي حذرها عنه الشرك وجميع مايكره الله ويأباه ، بعثه الله إلى الناس كافة ، وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والانس .والدليل قوله تعالى:(قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا …) الأعراف آية 158 ، وكمل الله به الدين ، والدليل قوله تعالى : (… اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا …) المائدة آية 3 . والدليل على موته r قوله تعالى:
 (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيمة عند ربكم تختصمون) الزمر آية 30 ، 31. والناس إذا ماتوا يبعثون ، والدليل قوله تعالى (منها خلقنكم وفيها نعيدكم  ومنها نخرجكم تارة أخرى ) طه آية 55 .
وقوله تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) نوح آية17 ، 18وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، والدليل قوله تعالى : (ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤ بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) النجم آية 31 . ومن كذب بالبعث كفر ،
والدليل قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) التغابن آية7 ، وأرسل الله جيع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) النساء آية 165 ، وأولهم نوح عليه السلام
وآخرهم محمد r وهو خاتم النبيين والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا  إلى نوح والنبين من بعده ) النساء آية 163 ، وكل أمة بعث الله إليهم رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاقوت ، والدليل قوله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطغوت ) النحل آية 36 ، وافترض الله علىجميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع والطواغيت كثيرون . ورؤسهم خمسة ، إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ومن ادعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ماأنزل الله ، والدليل قوله تعالى : (لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم ) البقره آية 156 وهذا هو معنى لاإله الاالله .
وفي الحديث "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " والله أعلم . 

متن تحفة الأطفال







متن تحفة الأطفال
لمؤلفه سليمان الجمزوري


يَقـُولُ راَجـي رَحْمَـةِ الغَفُــورِ                 دَوْماً سُلَيْمـانُ هُوَ الجَمْزُورِي
الحَمْــدُ لله مُصَلَّيــاً عَلَـــي                 مُحَـمَّـدِ وآلـــهِ وَمَـنْ تَلا
وَبـَعْدُ هَــــذاَ النَّظمُ للمُـرِيدِ                  في النُّون والتَّنْوِينِ وَالمُــدُودِ
سَمَّيْتُــهُ بِتُحْفَــــة الأَطْفَـالِ                 عَنْ شَيْخنَا الْميهيَّ ذي الكمـال
أرجُــو بِـــهِ أنْ ينْفَعَ الطُّلابَا                  والأجْـرَ والقَبُولَ وَالثَّوابـــَا
أحكام النون الساكنة و التنوين
للنُّـون إنْ تَسكُــنْ وَللتَّنْــــوِينِ            أَرْبَـعُ أَحْكَـامٍ فَخُذْ تَبيِيِنـــي
فَـالأَوّلُ الإِظْـــهَارُ قَبْلَ أَحْـــرُفِ           للحَلْقِ سـتَّ رُتَّبَتْ فَلْتَعْــرِفِ
هَمْــزٌ فَهـَاءٌ ثُمَّ عَيْنٌ حَـــــاءُ            مُهْمَلَتَــانِ ثُـمَّ غَيْنٌ خَــاءُ
والثَّـانِ إِدْغَـامٌ بِسَتَّـــة أتـــَتْ            فِي يَرْمُلـُونَ عِنـْدهُم قَدْ ثَبَتتْ
لَكنَّهَـا قِسْمــانِ قسْــمٌ يُدْغَمَــا            فِيــِه بِغُنَّـةٍ بِيَنمُـو عُلِمَــا
إِلا إذَا كَــانَا بِـكلْمَـةٍ فَـــــلا             تـُـدْغِمْ كَـدُنْيَا ثُمَّ صِنْوَانٍ تَلا
وَالثَّـانِ إِدْغَــامٌ بِغَيْـرِ غُنَّــــهْ            فِـي اللام وَالــرَّا ثـُمَّ كَرَّرَنَّهْ
وَالثَـالثُ الإقْـلابُ عِنـْدَ البَــــاءِ           مِيمــاً بِغُنَّــةٍ مَــعَ الإِخْفَاءِ
وِالرَّابعُ الإِخْفَــاءُ عِنْدَ الفَاضِـــلِ            مِنَ الحُـرُوفِ واجبٌ للِْفَاضِــلِ
فِي خمْسةٍ مِنْ بعد عشْرٍ رمْزُهَـــا            فِي كِلْـمِ هـذا البَيْتِ قَدْ ضَمَّنْتُهَا
صِفْ ذاَ ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سمـاَ            دُمْ طيَّباً زِدْ فِي تُقـيً ضَعْ ظَالِماَ

أحكام الميم و النون المشددتين

وَغُنَّ مِيمـاً ثَمَّ نُونـــاً شُددَّاً                 وَسَـمَّ كُـلاً حَـرْفَ غُنَّةٍ بَــدَا
أحكام الميم الساكنة
والميمُ إن تَسْكُنْ تَجِي قَبْلَ الهِجاَ                لا ألـفٍ ليَّنَةٍ لـِذِي الحِجَــــا
أحْكـَامُهَا ثَلاثَةٌ لِمَــنْ ضَبَطْ                  إِخْفَاءٌ اِدْغَامٌ وَإظْـهارٌ فَقَـــطْ
فَالأَوَّلُ الإِخْفَـــاءُ عِنْدَ البَاءِ                  وَسَمَّهِ الشَّفْــــوِيَّ لِلقــُرَّاء
وَالثَّانِ إِدْغَــــامٌ بِمِثْلِهَا أَتَي                 وَسَمَّ إِدْغَامـاً صَغِيراً يَـــا فَتَي
وَالثَّالثُ الإِظهَـــارُ فِي البَقِيَّهْ                 مِنْ أَحْـرُفٍ وَسَمَّـــهَا شَفْوِيَّه
وَاحْذَرْ لَدَي وَاوٍ وَفَـا أَنْ تَخْتَفِي                لِقُرْبِهَـا وَالاتَّحَـادِ فَاْعـــرِفِ

حكم لام أل و لام الفعل

لِلامِ أَلْ حَــالانِ قَبْـلَ الأَحْـــرُفِ          أُولاهُمَــا إِظْهَـــارُهَا فَلتَعْرِفِ
قَبْـلَ ارْبَـعٍ مَـعْ عَشْرَةٍ خُذْ عِلْمَـهُ           مِنِ ابْـغِ حَجَّكَ وَخَــفْ عَقِيمَهُ
ثَانِيهَمَــا إدْغَامُهَـا فـِي أَرْبَــعِ            وَعَشْرَةٍ أَيْضــاً وَرَمْزَهَا فَــعِِ
طِبْ ثُمَّ صِلْ رَحْماً تَفُزْ ضِفْ ذَا نِعَـمْ            دَعْ سُوءَ ظَنًّ زُرْ شرِيفــاً لِلكَرمْ
وَاللامُ الأُولَــي سَمَّـهَا قَمْـــرِيَّهْ           وَاللامَ الأٌخْرَي سَمَّــهَا شَمْسِيَّهْ
وَأَظْهِــرَنَّ لامَ فِعْــلٍ مُطْلَقَـــاً            فِي نَحْوِ قُلْ نَعَمْ وَقُلنَا وَالْتَقــي

والمثلين والمتقاربين والمتجانسين

إِنْ فِـي الصَّفَــات وَالَمخارجِ اتَّفَـقْ          حَرفَانِ فَالمثْلان فِيهمَــا أَحَـقّ
وَإنْ يَكُــونَا مَخْــرجاً تَقَـــارَباً           وَفِي الصَّفّات اخْتَلَفَــا يُلَقَّبِــا
مُتَقَــارِبَيْنِ أَوْ يَكــُونَا اتَّفَقَـــا            فِي مَخْرَجٍ دُونَ الصَّفَــاتِ حُقَّقَا
بالمُتَجَانِسَيْــنِ ثُــمَّ إنْ سَكَـــنْ           أَوَّلُ كّــلًّ فَالصَّغِير سَمَّيَـــنْ
أَوْ حُــرَّكَ الحـــرَفَانِ فِي كُلًّ فَقُلْ           كُــلٌّ كَبِيرٌ وَاْفْهَمَنْهُ بِالُمثُــلْ

أقسام المد

وَالَمــدُّ أَصْــلِيٌّ وَفَـــرْعِيٌّ لَهُ            وَسَمـَّ أَوَّلاً طَبِيِعيــــاً وَهُو
مَـا لا تَوَقُّــفَ لَـهُ عَلَــي سَبَبْ            وَلا بِدُونـِهِ الحُرُوفُ تَجْتَلَــبْ
بَــلْ أَيُّ حَرْفٍ غْيرِ هَمْزٍ أَوْ سُكُونْ            جَا بَعْدَ مَـدًّ فَالطَّبِيِعِيُّ يَكــُونْ
والآخَـر الفَـــرْعِيُّ مَوْقُوفٌ عَلَي            سَبَبْ كَهَمْـزٍ أَوْ سُكُونٍ مُسْجَلاَ
حُــرُوفُهُ ثَـــلاثَةٌ فَعِيــــهَا            مِنْ لَفْظِ وَايٍ وَهْـيَ فِي نُوحِيهَا
وَالكَســْرُ قَيْلَ اليَا وَقَبْلَ الوَاو ضَمْ             شَرْطٌ وَفَتْحٌ قَبْلَ أَلْـف يُلْتَــزَمْ
وَاللَّيْــنُ مِنْــهَا اليا وَوَاوٌ سَكنَاَ              إِنْ انفِتَاحٌ قَبْلَ كُــــلًّ أُعلِنَا

أحكام المد

لِلْمَــدَّ أَحْكَـــامٌ ثَلاثَةٌ تَـدُومْ               وَهْيَ الوُجُوبُ وَالجـوَازُ وَاللُّزُومْ
فَـوَاجبٌ إِنْ جَاءَ همــزٌ بَعْدَ مَدّ               فِي كِلْمَة وَذَا بِمُتَّصِـــلْ يـُعَدَّ
وَجَـائزٌ مَـــدٌ وَقَصَرٌ إِنْ فُصِلْ               كُـلٌّ بِكِلْمَةٍ وهَذَا المنْفَصِـــلْ
ومـثلُ ذَا إن عَــرضَ السُّكُونُ                وَقْفـاً كَتَعْلَمُونَ نَستْعَيِــــنُ
أَوْ قُـــدَّمَ الهَمْزُ عَلَي الَمدَّ وَذَا                بَدَلْ كَآمنُوا وِاِيمَانـــاً خُـذَا
وَلازِمٌ إنِ السُّكُـــــونُ أُصَّلاً                وَصْلاً وَوَقْفاً بَعْدَ مَدًّ طُــوَّلاً

اقسام المد اللازم

أَقْسَـــــامُ لازِمٍ لَدَيْهِمْ أَرْبَعَهْ                وتَلْكَ كِلْمِـــيٌّ وَحَرْفِيٌّ مَعَـهْ
كِلاهُمَـــــــا مُخفَّفٌ مُثَقَّلُ                فَهَذِهِ أَرْبَعَـةٌ تُفَصَّــــــلُ
فإِنْ بِكِلْمَـــةٍ سُكُـونٌ اجْتَمَعْ                 مضعْ حَرْفِ مَـدًّ فَهْوَ كِلْمِيٌّ وَقَعْ
أَوْ فِي ثُلاثِيَّ الحُروُفِ وُجِــداَ                  وَالمَدُّ وَسْطَـهُ فَحَرْفِـــيٌّ بَدَا
كِلاهُماَ مُثَقَّـــــلٌ إَنْ أُدْغِماَ                 مُخَفَّّفٌ كـُلٌ إذَا لَمْ يُدْغَمَــــا
واللازِمُ الحَرْفـــيُّ أَوَّلَ السُّورْ                وُجُودُهُ وَفِي ثَـمَانٍ انْحَصَـــرْ
يَجْمَعُهَا حُرُوفُ كَـمْ عَسَلْ نَقَصْ                وَعَيْنُ ذُو وَجْهَيْنِ وَالـطُّولُ أخَصْ
وَمَا سِوَي الحَرْفِ الثُّلاثِي لا أَلِفْ                فمُدُّهُ مَــدّاً طَبِيعِيّــــاً أُلِفْ
وَذَاك أَيْضاً فِي فَوَاتِــحِ السُّوَرْ                فِي لَفْظِ حَيًّ طَاهِر قدِ انْحَصــَرْ
وَيَجْمَعُ الفَوَاتِحَ الأَرْبَــعْ عَشَرْ                صِلْهُ سُحَيْراً مَنْ قَطَعْك ذَا اشْتَهَرْ

خاتمة التحفة
وَتَمَّ ذَا النَّظمُ بِحَمْـــــد الله               عَلَي تَمَامه بِـلا تَنَــاهِــــي
أَبْيَاتُهُ نَــدٌّ بدَاَ لِذِي النَّهَـــي              تَارِيخُهَا بـُشْريَ لِمَنْ يُتْقِنُـــهَا
ثُمَّ الصَّــلاةُ والسَّـــلامُ أَبَدَا              عَلَي خِتَـامِ الأَنْبيَاء أَحْمَــــدَاَ
واَلآلِ والصَّــــحْبِ وَكلُ تَابِعِ              وَكُلَّ قَـارئٍ وكُلَّ سَامِـــــعِ

الأربعاء، 30 يناير 2013

متن كشف الشبهات





 متن كشف الشبهات

 لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

اعلم رحمك الله أن التوحيد هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم "نوح" عليه السلام أرسله الله إلى قومه، لما غلوا في الصالحين: "ودٍّ" و"سواعٍ" و"يغوثٍ" و"يعوقٍ" و"نسرٍ".
وآخر الرسل "محمد" ، وهو (الذي) كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله.
يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده؛ مثل الملائكة، وعيسى، ومريم، وأناس غيرهم من الصالحين.
فبعث الله إليهم محمداً يجدد لهم دين إبراهيم عليه السلام، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، لا يصلح منه شئ لغير الله، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل فضلاً عن غيرهما.
وإلا فهؤلاء المشركون مقرون يشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأراضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله يشهدون لله هذا الشهادة فاقرأ قوله تعالى:﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31] وقوله: ﴿قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:84-89] وغير ذلك من الآيات.
فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا، وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله ، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو "توحيد العبادة"، الذي يسميه المشركون في زماننا "الاعتقاد" كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً. ثم منهم من يدعو "الملائكة"؛ لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل "اللات"، أو نبياً مثل "عيسى"، وعرفت أن رسول الله قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَد﴾[الجن:18]
وقال: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾[الرعد:14]
وتحققت أن رسول الله قاتلهم ليكون الدعاء "كله" لله. و"النذر" كله لله، و"الذبح" كله لله، و"الاستغاثة" كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله.
وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة و الأنبياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك، هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون.
وهذا التوحيد هو معنى قولك "لا إله إلا الله" فإن "الإله" عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو شجرة، أو "قبراً"، أو" جنياً"، لم يريدوا أن "الإله" هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بـ"الإله" ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد. فأتاهم النبي يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي "لا إله إلا الله".
والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها. والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي بهذه الكلمة هو: إفراد الله تعالى بالتعلق، والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه. فإنه لما قال لهم: قولوا: (لا إله إلا الله)، قالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5].
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشئ من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق، ولا يرزق، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى "لا إله إلا الله".
إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾[النساء:48] وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس عليه من الجهل بهذا، أفادك فائدتين:
الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58]
وأفادك أيضاً الخوف العظيم.
فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وهو قد يقولها وهو جاهل، فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله – تعالى - كما كان يظن المشركون، خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾[الأعراف:138]. فحينئذٍ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.
وأعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُور﴾[الأنعام:112]
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾[غافر:83]
إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلمٍ وحُجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعراف:17،16]، ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف ولا تحزن ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيف﴾[النساء:76]، والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصافات:173]، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح.
وقد من الله – تعالى - علينا بكتابه الذي جعله ﴿تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[النحل:89] فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِير﴾[الفرقان:33]، قال بعض المفسرين: "هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة".
وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في جوابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا.
فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل.
أما المجمل: فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾[آل عمران:7]، وقد صح عن رسول الله ، أنه قال:(إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم. )
مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين:﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس:62]، أو إن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلاماً للنبي يستدل به على شئ من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره.
فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في "كتابه"ٍ أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله – تعالى - ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: ﴿هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ﴾[يونس:18] هذا أمر محكم بيّن، لا يقدر أحد أن يغيّر معناه، وما ذكرته لي أيها المشرك من "القرآن" أو "كلام النبي " لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي لا يخالف كلام الله عز وجل.
وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله – تعالى - فلا تستهن به، فإنه كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت:35].
وأما الجواب المفصّل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، ويصدون بها الناس عنه.
منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم، فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله مُقرِّون بما ذكرت، ومُقرِّون بأن أوثانهم لا تدبر شيئا،ً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة. واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه.
فإن قال: إن هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً؟
فجاوبه بما تقدم، فإنه إذا أقرّ أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾[الإسراء:57]، ويدعون عيسى ابن مريم وأمه، وقد قال تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[المائدة:76،75] واذكر له قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾[سبأ:41،40]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾[المائدة:116]
فقل له: أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله .
فإن قال: الكفار يريدون منهم: وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار، المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شئ، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواءٍ، واقرأ عليه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ﴾[يونس:18]
واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه، وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها.
فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الإلتجاء إليهم، ودعاؤهم ليس بعبادةٍ.
فقل له: أنت تقر أن الله افترض عليك إخلاص العبادة لله، وهو حقه عليك؟ [فإذا قال: نعم، فقل له: تبين لي هذا الذي فرض عليك، وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك] فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها، فبينها له بقولك: قال الله تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[الأعراف:55].
فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة لله؟ فلا بد أن يقول لك: نعم، و"الدعاء مخ العبادة".
فقل له: إذا أقررت أنه عبادة لله ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا عملت بقول الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]، وأطعت الله ونحرت له هل هذا عبادة؟ فلا بد أن يقول: نعم. فقل له: إذا نحرت لمخلوق: نبي أو جني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بد أن يقر، ويقول نعم.
وقل له أيضاً: المشركون الذين نزل فيهم "القرآن"، هل كانوا يعبدون الملائكة، والصالحين، واللات، وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء، والذبح، والالتجاء، ونحو ذلك؟ وإلا فهم مقرون أنهم عبيده، وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جدا.
فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله وتبرأ منها؟
فقل: لا أنكرها، ولا أتبرأ منها، بل هو الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيع﴾[الزمر:44] ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾[البقرة:255].
ولا يشفع النبي في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه، كما قال تغالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾[الأنبياء:28]، وهو لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ٍ[آل عمران:85]، فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي ولا غيره في أحدٍ حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن الله – تعالى - إلا لأهل التوحيد؛ تبين لك أن الشفاعة كلها لله، فأطلبها منه وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.
فإن قال: النبي أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَد﴾[الجن:18]. وطلبك منالله شفاعة نبيه عبادة، والله نهاك أن تشرك في هذه العبادة أحدًا، فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَد﴾[الجن:18].
وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي ، فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في "كتابه"، وإن قلت: لا، بطل قولك :"أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله".
فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئا،ً حاشا وكلا، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك.
فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره، فماهذا الأمر الذي حرمه الله، وذكر أنه لا يغفره فإنه لا يدري، فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك، وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا، ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟
فإن قال: الشرك: عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام.
فقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب، والأحجار تخلق، وترزق، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه "القرآن".
وإن قال: هو من قصد "خشبة"، أو "حجراً"، أو "بنية" على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ،ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع عنا ببركته، ويعطينا ببركته.
فقل: صدقت، وهذا فعلكم عند "الأحجار"، و"الأبنية" التي على القبور وغيرها.
فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام؛ فهو المطلوب.
ويقال له أيضاً :قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم، لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرد ما ذكره الله في "كتابه" من تعلق على "الملائكة"، أو "عيسى" أو "الصالحين". فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في "القرآن" وهذا هو المطلوب.
وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل له: وما الشرك بالله؛ فسره لي؟
فإن قال: هو عبادة الأصنام. فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي ؟
فإن قال :أنا لا أعبد إلا الله وحده، فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها لي. فإن فسرها بما بينه "القرآن" فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه، وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله، وعبادة الأوثان، وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا، ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5]
فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما يكفرون لما قالوا: "الملائكة بنات الله"، فإنا لم نقل: عبد القادر ابن الله، ولا غيره. فالجواب: إن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2،1]، و"الأحد": الذي لا نظير له، و"الصمد": المقصود في الحوائج. فمن جحد هذا؛ فقد كفر، ولو لم يجحد السورة. وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾[المؤمنون:91]، ففرق بين النوعين، وجعل كلا منهما كفراً مستقلاً. وقال تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[الأنعام:100]، ففرق بين كفرين. والدليل على هذا -أيضًا- أن الذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك، وكذلك أيضاً العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً؛ فهو مرتد، ويفرقون بين النوعين، وهذا في غاية الوضوح.
وإن قال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[يونس:62]. فقل: هذا هو الحق، ولكن لا يُعبدُون، ونحن لم ننكر إلا عبادتهم مع الله، وشركهم معه وإلا فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال. ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين.
فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا "كبير الاعتقاد"، هو الشرك الذي أنزل الله في "القرآن"، وقاتل رسول الله الناس عليه، فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65]
وقال تعالى:﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُور﴾[الإسراء:67]، وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾[الأنعام:40،41]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ إلى قوله:﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾[الزمر:8]، وقوله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[لقمان:32].
فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في "كتابه"، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله يدعون الله تعالى، ويدعون غيره في الرخاء. وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟ والله المستعان.
والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله: إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة ويدعون أحجاراً أو أشجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون لهم الفجور: من الزنى، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي -مثل الخشب والحجر- أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به.
إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء. فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا. وهي من أعظم شبههم: فاصغ سمعك لجوابها.
وهي إنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم "القرآن" لا يشهدون أن لا إله إلا الله: ويكذبون الرسول ، وينكرون البعث، ويكذبون "القرآن" ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق "القرآن"، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟!
فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله في شئ وكذبه في شئ أنه كافر لم يدخل في الإسلام. وكذلك إذا آمن ببعض "القرآن" وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد، والصلاة، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا، كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله، وجحد وجوب الحج. ولما لم ينقد أناس في زمن النبي للحج، أنزل الله في حقهم ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:97] .ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع وحل دمه وماله، كما قال جل جلاله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِين﴾[النساء:151،150]، فإذا كان الله قد صرح في "كتابه" أن من آمن ببعضٍ وكفر ببعضٍ فهو الكافر حقاً، وأنه يستحق ما ذكر. زالت هذه الشبهة. وهذه هي التي ذكرها بعض "أهل الأحساء" في كتابه الذي أرسله إلينا.
ويقال أيضاً: إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شئ، وجحد وجوب الصلاة، فهو كافر حلال الدم، والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شئ إلا البعث، وكذلك إذا جحد وجوب صوم رمضان، وصدق بذلك كله، ولا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به "القرآن" كما قدمنا، فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي ، وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. فكيف إذا جحد الإنسان شيئاُ من هذه الأمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول ، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل!
ويقال أيضاً: هؤلاء أصحاب رسول الله قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي ، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤذنون ويصلون ، فإن قال: إنهم يقولون: أن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلا في رتبة النبي ، كفر، وحل ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان، ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان، أو يوسف، أو صحابيا، أو نبيا، في مرتبة جبار السموات والأرض؟! سبحان الله ما أعظم شأنه ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الروم:59]
ويقال أيضاً: الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار، كلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب علي ،وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في علي، مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في تاجٍ وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفر؟
ويقال أيضاً: بنو عبيدٍ القداحِ الذين ملكوا "المغرب" و"مصر" في زمان بني العباس، كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
ويقال أيضاً: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول و"القران"، وإنكار البعث، وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب: "باب: حكم المرتد" وهو: المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة كل نوعٍ منها يكفر ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو يذكرها على وجه المزح واللعب.
ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾[التوبة:74] أما سمعت أن الله كفرهم بكلمة، مع كونهم في زمن رسول الله ويجاهدون معه، ويصلون معه، ويزكون ،ويحجون، ويوحدون، وكذلك الذين قال الله فيهم: ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾[التوبة:66،65]فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح.
فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تكفرون المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون،ثم تأمل جوابها. فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.
ومن الدليل على ذلك أيضاً: ماحكى الله-تعالى- عن بني إسرائيل مع إسلامهم، وصلاحهم، وعلمهم أنهم قالوا لموسى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾[الأعراف:138]، وقول أناسٍ من الصحابة: (اجعل لنا ذات أنواط )فحلف النبي أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً .
ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة. وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك، وكذلك الذين قالوا للنبي : (اجعل لنا ذات أنواط ) لم يكفروا.
فالجواب: أن تقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا، وكذلك الذين سألوا النبي لم يفعلوا، ولا خلاف في أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي ،لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه؛ لكفروا، وهذا هو المطلوب.
ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم، بل العالم، قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها. فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجهال: "التوحيد فهمناه": أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان. وتفيد أيضاً أن المسلم إذا تكلم بكلام كُفر، وهو لا يدري. فنبه على ذلك وتاب من ساعته، أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي ، وتفيد أيضاً: أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله .
ولهم شبهة أخرى: يقولون: إن النبي أنكر على أسامة قتل من قال:" لا إله إلا الله". وقال : (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ ) وكذلك قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )، وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها.
ومراد هؤلاء الجهلة: أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل، ولو فعل ما فعل.
فيقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أن رسول الله قاتل اليهود وسباهم وهو يقولون: "لا إله إلا الله"، وأن أصحاب رسول الله قاتلوا بني حنيفة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلون، ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم على بن أبي طالب بالنار، وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل، ولو قال: "لا إله إلا الله"، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر، وقتل، ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه؟! ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.
فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه إلا خوفاً على دمه وماله>والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك،وأنزل الله في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُو﴾[النساء:94] أي فثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُو﴾ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبيت معنى، وكذلك الحديث الآخر وأمثاله، معناه ما ذكرناه: إن من أظهر الإسلام والتوحيد وجب الكف عنه، إلا أن يتبين منه ما يناقض ذلك.
والدليل على هذا أن رسول الله هو الذي قال: (أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟) ، وقال:( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله) هو الذي قال في الخوارج: (أينما لقيتومهم فاقتلوهم). (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )مع كونهم أكثر الناس عبادةً، وتهليلاً، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة، وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة بني حنيفة.
وكذلك أراد أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة، حتى أنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحجرات:6]، وكان الرجل كاذباً عليهم، فكل هذا يدل على أن مراد النبي في الأحاديث ما ذكرناه.
ولهم شبهة أخرى: وهي ما ذكر النبي أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله ،قالوا: فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.
فالجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه، فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال –تعالى- في قصة موسى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾[القصص:15] وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب، و غيرها من الأشياء التي يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم، في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.
إذا ثبت ذلك فالاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس، حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة: أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك، ويسمع كلامك، وتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله يسألونه ذلك في حياته. وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف دعاؤه نفسه ؟
ولهم شبهة أخرى: وهي قصة إبراهيم-عليه السلام- لما ألقي في النار، اعترض له جبريل في الهواء فقال له:" ألك حاجة؟ فقال إبراهيم أما إليك فلا"، قالوا: فلو كانت الاستغاثة شركا لم يعرضها على إبراهيم.
فالجواب: أن هذا من جنس الشبهة الأولى. فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله –تعالى- فيه: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم:5] فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم، وما حولها من الأرض، والجبال، ويقلبها في المشرق، أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئاً يقضي به حاجته، فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر حتى يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟!
ولنختم الكلام-إن شاء الله تعالى- بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها فنقول:
لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شئ من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس وأمثالهما. وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون هذا حق، ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق ولكن لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، و غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشئ من الأعذار، كما قال تعالى: ﴿اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيل﴾[التوبة:9] وغير ذلك من الآيات، كقوله: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾[البقرة:146] فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾[النساء:145]
وهذه المسألة: مسألة كبيرة طويلة، تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقده بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من "كتاب الله":
أولاهما: ما تقدم من قوله: ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾[التوبة:66] فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مالٍ، أو جاهٍ، أو مداراة لأحد، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.
والآية الثانية قوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[النحل:107،106] فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً، او طمعًا، أو مداراة، أو مشحةً بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعل على موجه المزح، أو لغير ذك من الأغراض، إلا المكره.
فالآية تدل على هذا من وجهتين:
الأول: قوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾، فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام ، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثاني: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل، أوالبغض للدين ومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More